العلاقة بين التكيف الاجتماعي المدرسي والتحصيل العلمي
مقدمة :
أولى التربويون والمدرسون والباحثون اهتماماً متزايداً بدراسة ظاهرة التحصيل الدراسي وبخاصة التحصيل الدراسي المتدني، باعتبارها مشكلة تربوية هامة تمثل مصدر إهدار في القوى البشرية الفعالة التي يصعب الإتيان ببديل عنها للمجتمع. ولقد عالجت بحوث عديدة هذه المشكلة محددة العوامل البيئية والفردية من حيث مدى علاقتها بالتكيف المدرسي، فقد أدرك كل من التربويين والنفسانيين أهمية التكيف المدرسي، وخاصة في المجتمعات التي تولي أهمية للتحصيل الدراسي والتنافس بين الطلبة (رمزي، 1986: 54).
إن العلاقة بين التكيف المدرسي والتحصيل الدراسي علاقة جد وثيقة، ذلك أنّ حياة الطلبة داخل المدرسة حافلة بالخبرات التي تؤثر إيجاباً أو سلباً على تكيفهم وتحصيلهم الدراسي. وواقع الحال أن المدرسة الثانوية تواجه الطلبة بعناصر جديدة لم يعتادوا عليها في المرحلة السابقة وربما يتطلب هذا تعديلاً في أساليب التكيف التي يحملها، أو تكوين أساليب تكيف جديدة. ومن بين ما توفره المدرسة الثانوية للطلبة المواد التعليمية التي تسهم في أغناء معارفهم، كذلك توفر جواً جديداً من العلاقات الجديدة بين الطالب وغيره من الأفراد، وهنا نشير إلى العلاقة بينه وبين زملائه من جهة وبينه وبين معلميه من جهة ثانية، وكذلك علاقته مع الإدارة من جهة ثالثة (جبريل، 1983: 90).
وتعتبر هذه العلاقات ميداناً واسعاً لأشكال من التكيف الاجتماعي التي قد تكون إيجابية مثمرة أو سلبية تؤدي إلى سوء تكيف.
وقد ظل الاهتمام لفترات طويلة يرتكز على دراسة التحصيل الدراسي وكأنه يرتبط فقط بالجانب العقلي للطلبة، ولكن الدراسات الحديثة أشارت إلى أهمية الجوانب النفسية في التحصيل، ومن هذه الجوانب مدى تكيف الطالب ضمن المدرسة، وقد أثبتت هذه الدراسات أن الطلبة المتفوقين دراسياً يمتازون من حيث مستوى إحساسهم بالأمن النفسي والاجتماعي، كما يمتازون بالثقة بالنفس والتكيف الاجتماعي السوي مع الآخرين، في حين أظهرت نتائج بعض الدراسات أن المتخلفين دراسياً يعانون بعض المشكلات النفسية كنقص في التكيف الاجتماعي وشعور بالحرمان وإحساس عميق بعدم الثقة بالنفس وعدم الشعور بالأمن (الطحان، 1978: 503).
إن الطلبة كغيرهم من أفراد المجتمع، لهم دوافعهم وحاجاتهم الجسمية والنفسية والاجتماعية التي يسعون إلى إشباعها، ويتوقف مدى تكيفهم على درجة هذا الإشباع (الشيباني،1973: 42). لذلك يجب على المدرسة أن تأخذ دورها في مساعدتهم من أجل الوصول إلى مستوى أفضل من التكيف الاجتماعي، وعدمُ تمكنها من إشباع هذه الحاجات يؤدي إلى نتائج سلبية أهمها فشلهم في التكيف مع جو المدرسة. ويؤكد هيلجارد (Hilgard,1962) أنّ الخبرات التربوية التي يكتسبها الطلبة تعد أحد المصادر ذات الأثر في تكيفهم، وأنها تسهم في تنمية قدراتهم على إقامة علاقات إيجابية ناجحة في المواقف الاجتماعية المختلفة.
كما يلاحظ في سياق العمل التربوي أن الطلبة ذوي التحصيل المنخفض يعانون صعوبات في التكيف الشخصي والاجتماعي والمدرسي، بينما يغلب على ذوي التحصيل المرتفع أن يكونوا أسلم تكيفاً (جبريل، 1983: 2).
وإن الأساس الأول لعدم التكيف الشخصي هو وجود حالة صراع انفعالي يعانيها الفرد، وينشأ هذا الصراع نتيجة وجود دوافع مختلفة توجه كل منها الفرد وجهات مختلفة.
والفرد لا يستطيع العيش في فراغ، إذ إن كل كائن إنساني يعيش في مجتمع، وتحدث داخل إطار هذا المجتمع عمليات من التأثير والتأثر بين أفراد ذلك المجتمع، كما أنهم يتصرفون وفق مجموعة من النظم والقوانين والعادات والقيم التي يخضعون لها، للوصول إلى حل مشاكلهم الحيوية، ولاستمرار بقائهم بطريقة صحيحة نفسياً أو اجتماعياً (فهمي، 1978: 19: 23).
والمدرسة كمؤسسة اجتماعية تضم ثلاث فئات هي: الطلبة - المدرسون - الإداريون، ويتم التفاعل بين هذه الفئات عبر التواصل اليومي، وكل ذلك يكوّن نظاماً اجتماعياً فريداً له سماته المستقلة. وضمن هذه المؤسسة تبرز العلاقات الاجتماعية الواسعة بين أفرادها، وهذه العلاقات القائمة على المحبة والتعاون، أو على التناحر، لها تأثيرها الكبير على التحصيل الدراسي، فقد تحسنه أو تسيء إليه. ومن هنا تتجلى مشكلة البحث في العلاقة بين التكيف المدرسي والتحصيل الدراسي، فالتربية كما هو معروف عملية اجتماعية، لأن تعلم الطلبة ليس معرفياً فقط بل هو اجتماعي أيضاً. بمعنى آخر إن الطلبة لا يطورون قدراتهم العقلية بالإلمام بالمفاهيم وتذكّر الحقائق المنهجية فقط، ولكنهم في الوقت نفسه يتعلمون الاتصال بالآخرين ليصوغوا محاكماتهم العقلية ويطوروا استقلالهم اجتماعياً. هذا كله بالنسبة للفرد العادي، فكيف الحال بالنسبة للمتأخرين والمتفوقين تحصيلاً الذين ربما يجدون صعوبة في التكيف المدرسي بشكل عام، هذه الصعوبة قد تؤثر سلباً في تحصيلهم الدراسي.
مفهوم التكيف ومعناه:
يظهر التكيف في حياتنا في مناسبات عديدة وميادين مختلفة، فهناك تكيف الفرد مع البيئة الاجتماعية Social introversion، وتكيف المدرس مع عمله وتكيف الطالب مع مدرسته (عبد الله، 2001: 37).
وتميل الكائنات الحية إلى تغيير سلوكها استجابة لتغيرات البيئة، فعندما يطرأ تغير على البيئة التي يعيش فيها الكائن، فإنه يعدل سلوكه وفقاً لهذا التغيير (مثال ذلك تغيير الإنسان لباسه ليناسب الفصل والمناخ)، ويبحث عن وسائل جديدة لإشباع حاجاته. وإذا لم يجد إشباعاً لهذه الحاجات في بيئته، فإما أن يعمل على تعديلها أو تعديل حاجاته. وهذا السلوك أو الإجراء يسمى التكيف Adjustment. والتكيّف، في المعجم، يعني: ملائمة الكائن الحي بينه وبين البيئة التي يعيش فيها (مرعشلي ومرعشلي، معجم الصحاح: 423).
ويعد علم الأحياء من أول العلوم التي استخدمت مصطلح التكيف على نحو ما حددته نظرية (تشارلز داروين)، إذ يعد هذا المصطلح الأساسي الذي قامت عليه نظريته.
وهناك تكيف حسن وتكيف سيء. فالمقصود بالتكيف الحسن أو حسن التكيف قدرة الفرد على إشباع دوافعه أو حاجاته بطريقة ترضيه وترضي المحيطين به. والمقصود بالتكيف السيئ أو سوء التكيف هو عجز الفرد عن إشباع دوافعه أو حاجاته بطريقة ترضيه وترضي الآخرين (الهابط،1997: 36،37).
وقد تبين أن تكيف الفرد في مراحل نموه المختلفة يتوقف على مدى شعور الفرد بالأمن والطمأنينة في طفولته، فإذا تربى في جو آمن ودافئ سينمو بشكل سوي ويصبح قادراً على تحقيق ما يريد (Coleand Hall, 1997: 390).
وهذا أمر لا يقتصر على الجوانب البيولوجية من الحياة الإنسانية، بل ويتعمم أيضاً على الجوانب النفسية، أي على السلوك وردود الفعل (الاستجابات ) في التعامل مع متطلبات البيئة وضغوطها المتعددة. والمواءمة التي استخدمها داروين للتعبير عن وجهة النظر البيولوجية، استخدمها علماء النفس والاجتماع في مجالهم الإنساني تحت مفهوم التلاؤم استناداً إلى حقيقة علمية مفادها: إذا كان الإنسان قادراً على التلاؤم مع البيئة فإنه قادر أيضاً على التلاؤم – أي التكيف – مع المتغيرات والظروف الاجتماعية والنفسية التي تحيط به.(العبيدي، 2003: 2-3).
وبصيغة أخرى، إن التكيف هو القدرة على تكوين العلاقات المُرضية بين الفرد وبيئته، والتي تشمل جميع المؤثرات والإمكانيات والقوى المحيطة به، التي يمكن لها التأثير على جهوده للحصول على الاستقرار النفسي والجسمي في معيشته.(كركه، 1999: 79).
وتتمثل عملية التكيف في سعي الفرد الدائم ومحاولاته التوفيق بين متطلباته وحاجاته ومتطلبات البيئة المحيطة وظروفها. فالفرد أحياناً يجد نفسه في بيئة تستجيب لمتطلباته وحاجاته، وأحياناً لا يجد مثل هذا الإشباع من البيئة. وإن الإنسان الذي يسعى ويبذل قصارى جهده لمواجهة صعوبات البيئة ومشاكلها هو الإنسان السوي الذي يهدف إلى التكيف (جبل، 2000: 61).
محددات التكيّف:
المحددات البيولوجية الطبيعية:
وهي ما يرثه الفرد من البنية الوراثية المنفردة من الناحية البيولوجية التي تحدد إمكانات الفرد وقدراته، وتتصل بهذا المحدد الحاجات البيولوجية التي تتمثل في الحاجات هي التي تولّد الدافعية اللازمة للسلوك الإنساني.
المحددات الثقافية والمعرفية:
وهي تلك التي تسمح للفرد بأن يحقق التكيف، وتتمثل في:
أ- بناء الأسرة.
ب- التربية المدرسية.
ج- النظام الاجتماعي.
د-الولاء الاجتماعي والشعور بالانتماء.
و- الظروف الاقتصادية والاجتماعية.
ز- الدين والعقيدة.
وترتبط هذه المكونات بعملية التنشئة الاجتماعية التي يخضع لها الفرد ( الملاح، 2003: 2)
أنواع التكيف:
التكيف الذاتي (الشخصي):
يعرّف التكيف الشخصي على أنّه عملية تفاعلية بين الفرد وبيئته، ويقوم الفرد من خلال هذه العملية إما بتعديل سلوكه أو بتعديل بيئته ( الأطرش، 2000: 6).
ويقصد به قدرة المرء على التوفيق بين دوافعه وأدواره الاجتماعية المتصارعة مع هذه الدوافع، وذلك لتحقيق السعادة وإزالة القلق والتوتر (جبل، 2000: 67).
والعجز عن تحقيق التكيف الذاتي يجعل الفرد في صراعات نفسية مستمرة، لذا نجد مثل هذا الفرد العاجز عن التكيف الذاتي عُرضة للتعب الجسمي والنفسي لأقل جهد يبذله ونافذاً للصبر سريع الغضب مما يؤدي إلى سوء علاقته الاجتماعية بالآخرين أي إلى سوء تكيفه الاجتماعي. وهذا يوضح العلاقة المتبادلة بين التكيف الذاتي والتكيف الاجتماعي، ويوضح أيضاً أن المقصود من التكيف الذاتي هو خلو الفرد من الصراعات الداخلية ( ديب، 2000: 30).
التكيف الاجتماعي:
وتُعْرَف عملية التكيف الاجتماعي في مجال علم النفس الاجتماعي باسم عملية التطبيع الاجتماعي، ويتم هذا التطبيع داخل إطار العلاقات الاجتماعية التي يعيش فيها الفرد ويتفاعل معها سواء أكانت هذه العلاقات في مجتمع الأسرة والمدرسة والأصدقاء، والمجتمع الكبير بصفة عامة. والتطبيع الاجتماعي الذي يحدث في هذه الناحية، ذو طبيعة تكوينية، لأن الكيان الشخصي والاجتماعي للفرد يبدأ باكتساب الطابع الاجتماعي السائد في المجتمع، من اكتساب اللغة وتشرّب بعض العادات والتقاليد السائدة، وتقبل لبعض المعتقدات ولنواحي الاهتمام التي يؤكدها مجتمعه. وهذا يعني تكيف الفرد مع بيئته الخارجية المادية والاجتماعية. والمقصود بالبيئة المادية هو كل ما يحيط بنا من عوامل مادية كالطقس والجبال والبحار والأنهار والأبنية ووسائل المواصلات والأجهزة والآلات... الخ أما البيئة الاجتماعية فنعني بها كل ما يسود المجتمع من قيم وعادات وتقاليد ودين وعلاقات اجتماعية ونظم اقتصادية وسياسية وتعليمية وآمال وأهداف. .. الخ ولما كانت هذه البيئة متغيرة، مادية كانت أو اجتماعية، فإنّ هذا التغير يثير مشكلات تستلزم من الإنسان التفكير والمواجهة، وتعرضه للانفعالات والقلق، وتتطلب منه تعديل بعض سلوكياته، لهذا كان لا بد من تعاون الوظائف النفسية المختلفة وتقويتها لمقاومة هذه التغيرات والتكيف معها. أما إذا كانت هذه التغيرات شديدة وعجز الفرد عن التكيف معها، فسيكون نتيجة ذلك وقوعه فريسة للحالات المَرَضِيّة، والفرد القادر على أن يتكيف مع هذه البيئة المتغيرة يكون مصدر سعادة لنفسه ولمجتمعه. وهذا يوضح العلاقة الوثيقة بين الفرد وبيئته، وأن التكيف الذاتي والتكيف الاجتماعي شرطان أساسيان للصحة النفسية ولا يتأتى ذلك التكيف إلاّ إذا سلك الإنسان السبل المشروعة التي تجعله راضياً عن نفسه بعيداً عن مراجعة العقل وتأنيب الضمير، كما تجعل مجتمعه راضياً عنه سعيداً به (الهابط، 2003: 31-32).
التكيف البيولوجي:
يشير مصطلح التكيف في عالم الأحياء إلى أنّ الكائن الحي يحاول أن يوائم بين نفسه والعالم الطبيعي والظروف البيئية التي يعيش فيها، سبباً للاحتفاظ ببقائه باعتباره فرداً أو نوعاً. وبالتالي هذا يتطلب منه أن يواجه أية تغييرات في البيئة بتغييرات ذاتية أو تغييرات بيئية. وعليه يمكن أن يوصف سلوك الإنسان طبقاً لهذا المفهوم كردود أفعال للعديد من المطالب والضغوط البيئية التي يعيش فيها ( محرز، 2003: 59 ).
والتكيف اصطلاح اكتسبه علم النفس من البيولوجيا وفقاً لما جاء في نظرية النشوء والارتقاء لدارون التي تؤكد أن الكائن الحي يحاول وبشكل مستمر أن يوائم بين نفسه والعالم الطبيعي الذي يعيش فيه من أجل البقاء ( العبيدي، 2003: 2).
التكيف النفسي:
استعار علماء النفس من علم الأحياء مصطلح التكيف وأعادوا تسميته بمصطلح التكيّف " إذ يعتبر علم النفس بكل فروعه دراسة لعمليات التكيّف، فهو علم دراسة توافق الفرد مع مواقف حياته التي تمليها عليه طبيعة الإنسان في استجابتها لمواقف الحياة " (محرز، 2003: 59). فالتكيّف من وجهة نظر التحليل النفسي يعني الالتزام والبحث عن منافذ لضغوطنا الداخلية، فهي التي تهيئ لنا إشباع حاجاتنا الضرورية وتجنب عقاب المجتمع أو إدانة الذات، في حين يتضمن التكيّف من وجهة نظر السلوكيين استجابات مكتسبة من خلال الخبرة التي يتعرض لها الفرد، والتي تؤهله للحصول على توقعات منطقية، وعلى الإثابة. فتكرار سلوك ما من شأنه أن يتحول إلى عادة (النيال، 2002: 140،141).
التكيف المدرسي:
تترافق العملية التربوية عادة مع قدر كبير من الجهد الجسدي والكرب النفسي، وغالباً ما يكون لذلك عواقب وخيمة على صحة الطالب النفسية والجسدية. ويتعرض الطالب لمشكلات كثيرة في المدرسة، منها المنافسة واختلاف التجاوب الفردي، وعدم التكيف مع المجتمع المدرسي، إضافة إلى صعوبات التعلم ذات المنشأ النفسي. (الأنصاري،2003: 1).
فالصحة النفسية هي الحالة التي تُشعر الشخص بالقدرة على استيعاب الضغوط واحتمالها، وبالتالي مواجهتها بحيث لا يفقد توازنه عندما يصادف المواقف المتأزمة. والتكيف المدرسي هو نجاح الفرد في المؤسسات التعليمية والنمو السوي معرفياً واجتماعياً، وكذلك التحصيل المناسب، وحل المشكلات الدراسية مثل ضعف التحصيل المدرسي (الديب ، 2001: 40).
ومن أهم عوامل النجاح التركيز على دور المعلم، من خلال برامج التدريب الفعالة قبل الخدمة وفي أثنائها، لتهيئته للتعامل الصحيح مع مشكلات الطلبة النفسية في مراحلها المبكرة. ويتم ذلك من خلال تعزيز الممارسات الإيجابية للصحة النفسية في المدرسة (الأنصاري، 2003: 1).
عوامل التكيف المدرسي:
1_ الطالب:
فقدرات الطالب وصفاته الشخصية الخاصة، كالحالة الصحية، والجنس، والسن، ومستوى التعليم، والسمات المزاجية، والعادات الشخصية، ومستوى طموحه، وعوامل التنشئة الاجتماعية والخبرات التي يمر بها من خلال انتمائه إلى جماعات متعددة، كلّها عوامل تهدف إلى إيجاد التوافق بين حاجاته الشخصية ومطالب المجتمع، وإلى إيجاد نوع من السلوك يحقق رغبات الأفراد ويرضى عنه الآخرون (صالح، 1996: 62).
2_ الزملاء أو جماعة الأقران:
تبدأ عملية تحوّل الطفل من علاقاته الاجتماعية الأسرية إلى العلاقات الاجتماعية الخارجية والارتباط بالقرناء في فترة مبكرة من حياته على شكل زيارات خاطفة للأقارب أو نزهات يومية عابرة يتحرر فيها من قيود الأسرة، إلاّ أنّ هذا التحوّل يأخذ شكلاً فعلياً عندما يلتحق الطفل بالمدرسة. ويبدأ هذا التحوّل بالتطور مع مرور الزمن، حيث يكون أفراد البيئة المدرسية أكبر عدداً من أعضاء الأسرة مما يستدعي بذل الكثير من الجهد من قبل الطالب نتيجة المنافسة وبغية تحقيق التكيّف مع أكبر عدد من الزملاء، وإثبات الجدارة في تحقيق المكانة الاجتماعية. (لطفي، 2000: 12).
وتعتبر علاقة الطالب بزملائه من العلاقات الهامة في المحيط المدرسي، وقد يكون لجماعة الرفاق تأثير في سلوك الطالب أكثر من تأثير الأسرة والمدرسين والمربين وسواهم، ذلك أن الطالب حين ينضم إلى هذه الجماعات فإنه يشترك مع أعضائها في الاهتمامات والأفكار، وتشبع رغبات معينة لديه، وتحقق له مصالح معينة، كما أن الجماعة مجال رحب للصداقة والزمالة يشعر فيها الطلبة بكيانه وأهميته ووضعه الاجتماعي، فهو يتعاطف مع الآخرين ويتعاطف الآخرون معه، كما يجد فيها من يقدم له النصح والإرشاد ويوجهه لتفادي أخطائه، كما أن الجماعة مصدر للمعلومات التي يريد أن يعرفها. والجماعة بالإضافة إلى ما سبق تشبع رغبة الطالب في المنافسة أو التعاون وتعطيه الفرصة ليثبت قدراته ويشغل طاقاته ويحصل على احترام الآخرين.
3_ المدرسة:
تواجه المؤسسات التربوية ومنها المدرسة اليوم تحديات عديدة أفرزتها متغيرات متعددة في عالم سريع التغير، وفي الحقيقة فإن دور المدرسة ووظيفتها في التغيير السليم ليس هو في حد ذاته ما يقصد به التغيير الحاصل في المناهج وأساليب التعلم ومؤهلات العاملين والمبنى المدرسي الجديد بقدر ما يكون العمل على إكساب العادات والقيم الفكرية والاجتماعية، ومدى التغيير الذي تنجح في تحقيقه في سلوك الأفراد ومعلوماتهم الثقافية والاجتماعية والعلمية والأخلاقية بما يساعدهم على التكيف الصحيح وتفاعلهم معه بل ويساعدهم على التقدم في هذا المجتمع (العويسي، 2003: 1).
وليست المدرسة مكاناً يتجمع فيه الطلبة للتحصيل الدراسي فقط، بل هي مجتمع صغير يتفاعلون فيه "يتأثرون ويؤثرون " حيث يتم اتصال بعضهم بالبعض الآخر، ويشعرون بانتماء بعضهم إلى البعض، ويهتمون بأهداف مشتركة لمدرستهم، كل ذلك يؤدي إلى خلق الروح المدرسية عندهم، والجو المناسب لنموهم الفردي والاجتماعي.
كما أن المدرسة ليست مجتمعاً مغلقاً يتفاعل الطلبة داخله بمعزل عن المجتمع الذي أنشأ هذه المدرسة، بل هي تعمل على تقوية ارتباط الطلبة بمجتمعهم وبيئتهم، وتنمية الشعور بالمسؤولية تجاه هذا المجتمع وتلك البيئة (الغامدي، 2003: 1).
وتعتبر العلاقة بين الطلبة والمدرسين من العلاقات الهامة فيما يتعلق بالتكيف المدرسي ومن خلال هذه العلاقة تنجح أو تفشل العملية التعليمية، كما تلعب هذه العلاقة دوراً رئيسياً في حل كثير من المشكلات التعليمية والنفسية والاجتماعية، ذلك أن طلبة المرحلة الثانوية، بحكم سنهم، يمرون بكثير من المشكلات الناتجة عن خصائص المرحلة التي يمرون بها، فضلاً عما تضعه الدراسة نفسها من ضغوط على الطلبة وما تمارسه الأسرة من ضغوط بشأن توقعاتها منه.(الصالح، 1996: 73).
دور المدرسة في عملية التربية والتعليم:
تعتبر المدرسة المؤسسة التربوية التي يقضي فيها الطلبة معظم أوقاتهم. وهي التي تزودهم بالخبرات المتنوعة، و تهيئهم للدراسة والعمل، و تُعدّهم لاكتساب مهارات أساسية في ميادين مختلفة من الحياة. وهي توفر الظروف المناسبة لنموهم جسمياً وعقلياً واجتماعياً. وهكذا فالمدرسة تساهم في النمو النفسي للطلبة وتنشئتهم الاجتماعية والانتقال بهم من الاعتماد على الغير إلى الاستقلال وتحقيق الذات. إلا أنّ في كثير من الحالات نرى أن المدرسة تنظر إلى الطلبة كما لو كانوا مجموعة متجانسة لا تمايز فيها ولا تفرّد. وبذلك فهي تغفل سماتهم العقلية والنفسية والاجتماعية و لا تراعي الفروق في استعداداتهم و قدراتهم وميولهم واتجاهاتهم ورغباتهم وطموحاتهم. فالطالب المثالي النموذجي هو الذي يبدي اهتماماً بالدراسة واحتراماً لقوانين المدرسة وأنظمتها والعاملين فيها. ونجد في كثير من الأحيان أن المدرسة لا تفهم حاجات الطالب ومشكلاته الدراسية والمدرسية. ولا تتهيأ لمواجهة متطلبات نموه العقـلي والمعرفي والاجتماعي. بل تقف في وجهه وتتهمه بالكسل. ومن ثم يظهر الطالب سلوكات لا تتناسب مع المعايير الاجتماعية السائدة. وتأخذ هذه السلوكات أشكالاً مختلفة تظهر في الصف، كالعدوان والسخرية واللهو والتمرد واللامبالاة أو الانطواء والعزلة والتوترات الانفعالية وعدم الرغبة في المدرسة والهروب منها. وكل ذلك يزيد من قلق الطالب واضطرابه وينعكس سلباً على تحصيله الدراسي (تقلا، 2004: 1).
التكيّف المدرسي والمدرسة:
إنّ دور المدرسة في الوقاية من الصعوبات والمشكلات التي يعاني منها الطلبة هام جداً، لكنّها ليست الوسط الوحيد الذي يدخل ضمن هذا المنظور، فالأهل، والمربين شركاء في هذا الموضوع (Leg Ault, 1999: 3).
وعلى المدرسة أن تجد طريقة جديدة في إيجاد الكفاءات اللازمة التي تساعد في حل المشكلات والصعوبات التي يعاني منها الطلبة، فالعلاقة الجيّدة بينها وبين الطالب والوسط الاجتماعي المدرسي تساهم في تقليص نسبة الطلبة الذين يتسربون منها وبالتالي تحسين المواظبة عليها والنجاح الدراسي (Robin, 2005: 1).
إذا أردنا أن نحقق للطلبة قدراً من التكيف يجب أن يكون المربون على وعي كامل بالقواعد العامة، للاستعانة بها في تحقيق عملية تكيف الطالب في المدرسة. وسنعرض فيما يلي بعض هذه القواعد العامة التي تؤثر في تربية هؤلاء الأبناء، لتجنيبهم التعرض للأزمات النفسية ولنحقق لهم حياة خالية من الأزمات والصراع والقلق:
1- أن تتاح للطالب الفرص لتأكيد ذاته لأنه في نظر نفسه لم يعد الطفل الذي لا يتاح له أن يتكلم أو أن يسمع، وهو يسعى أن يكون له مركز بين جماعته وأن يحصل على اعتراف هذه الجماعة بشخصيته.
2- يجب ألا تكون فلسفة المدرسة قائمة على الكبت أو إتباع طائفة من صور القسر والإجبار.
3- يجب أن تساعد التربية المدرسية الطالب على أن يستخلص وجهة نظر لنفسه عن معنى الحياة، فكل من الشاب والفتاة في هذه المرحلة يود أن يعرف من يكون وكيف يرتبط بماضيه ومستقبله، وهو يجاهد في سبيل إقامة بناء متماسك من العادات الاجتماعية والآراء التي كونها منذ الطفولة. ويجب ألا يكون النظام في المدرسة نظاماً تسلطياً.
4- يجب ألا تكون الفصول مكتظة، فالطالب في مثل هذه الفصول نادراً ما يستطيع أن يتعلم في المدرسة بطريقة سوية.
5- يجب أن تسعى التربية إلى تحبيب التعليم إلى نفوس الطلبة، وبقدر ما تنجح المدرسة في القيام بهذه العملية، تستطيع تحقيق التكيف الناجح مع المدرسة. والمقصود بعملية تحبيب التعليم أن تجعل من المناهج الدراسية مواد يحبها الطلبة،وأن تجعل المدرسة مكاناً محبوباً بالنسبة إليه يقضي فيه ساعات مشوقة من نهاره ( فهمي، 1975: 123، 125، 129).
البيئة الفيزيائية للصف وحجمه:
تعد البيئة الفيزيائية للصف وحجمه من المتغيرات التي لها دور في التكيف، ويرى غالتون أن التكيف يرتبط ارتباطاً وثيقاً بطريقة ترتيب الصف وينعكس ذلك على التحصيل الدراسي، وقد أقام دراسته على العلاقة بين ترتيب الصف وتجهيزه من جهة وأثر ذلك على التحصيل الدراسي من جهة أخرى فكانت الصفة الأكثر انتشاراً في الصف التقليدي هي الضجيج الذي يحدثه الطلبة والذي ينعكس سلباً على سير العملية التعليمية، أما الصفوف المفتوحة فكان الطلبة فيها على نوعين: بعضهم متكيف مع بيئته وبعضهم الآخر أقل تكيفاً (حبيو، 1999: 87).
إن قلة عدد طلبة الصف المدرسي أو كثرتهم يؤثر إيجاباً أو سلباً في التحصيل الدراسي إذ إنّ هذا المتغير له دور هام في تحقيق التكيف داخل الصف. إن الطلبة الذين يتعلمون في مجموعات صغيرة العدد يمكن أن يستثاروا من خلال وضعهم في جماعات تنافسية، ويمكن أن يبنوا علاقات اجتماعية مع الآخرين. كما أن المجموعة الصغيرة من الطلبة تتفاعل تفاعلاً أكثر إيجابية وتحقق درجة عالية من التكيف وتستطيع تحسين تحصيلها الدراسي أكثر من المجموعة الكبيرة، أما إذا كان الصف كبير الحجم فإن عملية التكيف تصبح صعبة، كما أن تقليل حجم الصف يزيد فرص نشاط الطلبة ويجعلهم أكثر قابلية للمشاركة الإيجابية فيما يقومون به من أعمال وأنشطة (حبيو،1999: 88).
التكيّف المدرسي ومستوى الصف الدراسي:
يعتبر المستوى الصفي للطالب من العوامل الهامة ذات العلاقة بتكيّف الطالب المدرسي. ويرى عاقل (1976) أنّ بعض علماء النفس يؤكّدون أنّ طاقات الطالب العقلية تنمو بانتقاله من صف لآخر، ويصبح أكثر قدرة على التكيّف مع المحيط. كما أنّ احتكاكه مع الراشدين من جهة ومع زملائه في المدرسة من جهة أخرى يلعب دوراً هاماً في تكيّفه الاجتماعي المدرسي (السقار، 1989: 6).
وقد بيّن السقار نقلاً عن كوفمان (Kauffman, 1974) أنّ هناك ثلاثة عوامل تلعب دوراً هاماً في السلوك التكيّفي المدرسي هي: النضج والتعلّم والتكيّف الشخصي والاجتماعي. ففي السنوات الأولى من حياة الطفل، يعدّ الكلام والمشي من أهم مظاهر السلوك التكيّفي. وبدخول الطفل المدرسة، يعدّ التحصيل المدرسي من المؤشرات الرئيسة على التكيّف الاجتماعي المدرسي للطفل. وبتقدّم الطالب من مرحلة إلى أخرى، يسهم نضجه وزيادة خبراته التعلمية في ارتفاع مستوى تكيّفه. وفي سن الرشد تعدّ قدرة الفرد على تحمّل المسؤولية واعتماده على نفسه وتحقيقه لمطالبه الشخصية والاجتماعية بشكل سليم أبرزَ السلوكات التكيّفية الاجتماعية.
وكما هو الحال في جوانب النمو المختلفة، فإنّ التكيّف الاجتماعي للطفل يتخذ شكلاً متدرجاً في تقدمه نحو النضج الاجتماعي، الذي يزداد مع تقدّم الطالب من صف دراسي إلى آخر، تلك الجوانب التي تصاحب زيادة خبرات الطالب المدرسية. كما أنّ أنماط السلوك التكيّفي الاجتماعي تختلف في كل مرحلة من مراحل حياة الطالب المدرسية مثل بقية جوانب النمو الأخرى (السقار، 1989: 6).
مدير المدرسة:
الإدارة المدرسية هي مجمل الفعاليات العملية التنظيمية والفنية التي تشمل علاقة الطلبة داخل الصف وعلاقتهم مع المدرس والموجهين والمدير، وتنظيم الأنشطة وربطها بالمواد الدراسية وإجراء التقويم المستمر. أي نحن أمام شبكة معقدة من العلاقات، ومطلوب إدارة هذه الشبكة بالأسلوب الإبداعي في جو من الديمقراطية والشفافية وتشجيع التفوق. ذلك أنّ الإدارة المدرسية لم تعد مجرد تسيير لشؤون المدرسة تسييراً روتينياً هدفه المحافظة على النظام في المدرسة فقط والإشراف على سير الدراسة، بل أصبح عملها الأساسي يدور حول تحقيق الأهداف التربوية سعياً لبناء شخصية الطالب البناء السليم والمتوازن والمتكامل (بلاّن، 2004: 10).
مدير المدرسة والتكيف المدرسي:
المدير الكفء يكون قدوة في كل شيء، فعله قبل قوله، وهو يجمع خلاصة أفكاره وتجاربه ليقدمها لمدرسيه وطلبته، فهو الأب الروحي لهذه المدرسة، يسأل عن أحوال هذا المدرس وذاك الطالب بقلب حنون عطوف، يطبق العلاقات الإنسانية في معاملاته، وتتدفق بين جوانبه الحكمة والحنكة والذكاء والأخلاق العالية الكريمة في كل تصرف من تصرفاته. ولاشك أن أسلوب المدير المدرسي يقوم بدور هام في نجاح العملية التعليمية ويؤثر على الروح المعنوية للعاملين الآخرين في المدرسة. ويتركز دور الإداريين في توفير المناخ المناسب لنجاح عملية التعليم وتأمين الخدمات وأنماط الرعاية المناسبة والوسائل المساعدة. (آل يوسف، 2003: 1).
التفاعل بين المدرس والطالب:
إننا نعاني قصوراً شديداً في معلوماتنا عن التفاعل بين الطالب والمدرس وعن أثر سمات المدرس على البيئة التعليمية للطلبة، إلاّ أنه بالرغم من المحاولات المتعددة لتصنيف نتائج الدراسات في هذا الموضوع فإنه لا يمكن القول بأنه توجد نتائج محددة وحاسمة.
ومن أشهر تصنيفات سلوك القائد في أندية الشباب وفي الفصل الدراسي ذلك التصنيف الذي وضعه "ليبت وهوايت"، فالنظام التسلطي يخلقه المدرس الذي يجعل من نفسه محوراً للعمل والنشاط، والذي يصر على التعامل الرسمي وعلى أن يكون محوراً لكل الاتصالات وعلى أن يكون مسيطراً وعلى أن يوجد المنافسة بين الطلبة وعلى أن يوقع العقاب بنفسه.
أما في النظام الديمقراطي فإن التركيز يكون على دور الطلبة أو المتعلم فهو محور العمل والنشاط وعلى ضرورة مشاركته في اتخاذ القرارات، وعلى أن تتسم العلاقات الإنسانية بالانفتاح وبالتعاون. أما في النظام الثالث والمسمى بالنظام الحر، فإن الطلبة يتمتعون بحرية مطلقة، ولا يقدم المدرس فيه إلاّ النادر من التوجيه والإرشاد. ومن الواضح أن النظام الحر يؤدي إلى المزيد من المشكلات. فالطالب الذي لا يجد له قائداً يوجهه لا بد أن يبحث له عن قائد، وعادة ما يكون قائداً غير عادي أو شاذاً، كما يضع الطلبة لأنفسهم معايير لأدائهم وسلوكهم مما يؤدي إلى العديد من المشكلات النظامية المزعجة. وقد وُجِد على العموم أن غالبية الطلبة يفضلون الجو الديمقراطي ألتغييري داخل الصف (الهابط، 2003: 36).
النشاط المدرسي:
النشاط المدرسي جانب تربوي هام يعد جزءاً متمماً للعملية التعليمية، وهو ذلك البرنامج التعليمي الذي يقبل عليه الطلبة برغبتهم بحيث يحقق أهدافاً تربوية معينة داخل الصف أو خارجه، وأثناء اليوم الدراسي أو بعد الانتهاء من الدراسة على أن يؤدي ذلك إلى نمو خبرة الطالب وتنمية هواياته وقدراته في الاتجاهات التربوية والاجتماعية المرغوبة.
ويشتمل النشاط المدرسي على مجالات متعددة ذات علاقة بالمادة الدراسية والحياة العامة للطلبة (الغامدي، 2003، 1، 2).
التكيّف المدرسي والنشاط المدرسي:
يُعد النشاط المدرسي ظاهرة اجتماعية تؤثر وتتأثر بغيرها، فممارسته بشكل إيجابي له مردود ملحوظ على الفرد من النواحي الاجتماعية والبدنية والنفسية بالإضافة إلى تحقيق الرضا الذاتي. كما أنّ استثمار وقت الفراغ يؤثر في العملية التربوية بأكملها، والطلبة الذين يشاركون في الأنشطة المدرسية، سواءً داخل أم خارج المدرسة، غالباً ما يتسمون بروح قيادية وثبات انفعالي وتفاعل اجتماعي، ولديهم القدرة على المثابرة عند القيام بأعمالهم.
كما أنّ المناشط الطلابية تُعد من أهم الوسائل التي يمكن استخدامها لتدعيم الحياة السوية للطلبة ولترفع من إنتاجهم وتحصيلهم الدراسي (السدحان، 2004: 199، 200، 201).
المنهاج:
شهد القرن العشرون تطوراً كبيراً في المفهوم التقليدي للمنهاج تبعاً لتنظيمه وطرائق التدريس وأساليبها، وجاء هذا التطور نتيجة للدراسات المنظمة في شتى الميادين، وفي مقدمتها علم نفس النمو وسيكولوجية التعلم والقدرات وعلم الاجتماع التربوي، لتؤكد عملية الفهم والتفكير والربط والاستنتاج في العملية التعليمية. وقد ترتب على ذلك تجرد المنهاج المدرسي من كثير من المواد التعليمية غير الوظيفية للتعلم. وتوالت نتائج البحوث لتؤكد أن التعلم عملية كلية وليست جزئية، كما أشارت إلى أهمية الدوافع في زيادة فاعلية التعلم. يشير بعض الباحثين إلى وجود عدة مبادئ عامة يستند إليها المنهاج الحديث ومن أهمها: أن يقوم المنهاج على أساس فلسفة للتربية، وأن يكون واسعاً وشاملاً، وأن يتسع للفروق الفردية بين الطلبة وأن يعنى بتشجيع الموهوب، وأن يهيئ الفرصة للخبرات التعليمية، ليعزز بعضها بعضاً، ليتحقق نمو الخبرات واستمرارها، وأن يضع في الحسبان تركيب المواد الدراسية وبناءها، وأن يزود المعلم بوسيلة تمكنه من معرفة دوره في النظام الكلي، وأن يضع في الحسبان شروط التعلم، وأنماط السلوك المراد تنميتها، وأن يكون متركزاً حول الحياة، وضرورة التقويم والمراجعة المستمرة ( آل ناجي، 2002: 18، 19 ).
إن التربية في أساسها عملية اجتماعية نفسية، تُعنى بالفرد، وتعكس ما في المجتمع من قيم ومثل وعادات وتقاليد وأنماط سلوك، وهي كذلك أداة المجتمع في صنع المستقبل واللحاق بالركب المعاصر من خلال إعداد الفرد وتكوين شخصيته تكويناً سوياً، والمنهاج هو: أداة التربية في تحقيق أهدافها، والوسيلة التي عن طريقها يحقق المجتمع أهدافه وطموحاته، والبيئة التي يصنع الأفراد ضمن إطارها بصورة سوية بحيث تتكامل شخصياتهم، ومن هذا المنطلق تأتي أهمية العناية بالمنهاج وبالأخص الأسس النفسية التي يقوم عليها.
ويقوم المنهاج على العديد من الأسس المختلفة مثل الأسس النفسية وغيرها.وإن بيان طبيعة المنهاج في المدارس الفلسفية التربوية المختلفة يمكن أن يعتبر بمثابة مقاييس أو معايير يستخدمها واضعو المنهاج التعليمي بهدف إبراز المنهاج بصورة متكاملة شاملة، فيمكن الاستفادة من نظرة هذه المدارس المختلفة للمنهاج (القضاة، 2004: 1).
التكيف المدرسي والمنهاج:
إن موقف الطالب من المادة الدراسية يؤثر بدرجة كبيرة على درجة تكيفه المدرسي وإن هذا الموقف يتحدد بموقف الطلبة من المعلم وبالدرجات التي يحصل عليها والمعلومات التي يقدمها المعلم للطلبة (منصور، 1999: 196).
ويحدد الزبادي بعض المبادئ التي ينبغي مراعاتها عند وضع المناهج حتى يتحقق جو من الصحة النفسية والتكيف للطالب:
1- "ألا يكون المنهاج عبارة عن مقتطفات صغيرة من عدد كبير من المواد الدراسية، فهذا النوع من المناهج يهتم بالجانب المعرفي إلا أنه يكون بعيدا كل البعد عن مواقف الحياة الطبيعية. إن حدوث انتقال أثر التعليم يتطلب وجود أوجه تشابه بين المواقف التعليمية في المدرسة ومواقف الحياة الطبيعية.
2- أٌكثر المناهج التي تحقق انسجاماً مع سيكولوجيا الطلبة هو منهاج المحاور فهذا النوع من المنهاج يساعد الطلبة على أن يدركوا الموقف التعليمي بكليته، فإذا كان هذا صحيحاً تكون النتيجة أن الطالب يرتاح إلى مثل هذه التدريبات، ويتجلى هذا الارتياح في محافظته على النظام وفي تقبله توجيهات المدرس.
3- ينبغي ألا يقتصر المنهاج على الخبرات المدرسية التي يستطيع أن يقوم بها داخل جدران المدرسة، بل يجب أن يتضمن أموراً أخرى تخرج بالطالب إلى البيئة حيث يوجد ألوان مختلفة من النشاط" (الزبادي، 1990: 151).
مفهوم التحصيل الدراسي ومعناه:
يعد التحصيل الدراسي أحد الجوانب الهامة للنشاط العقلي الذي يقوم به الطالب والذي يظهر أثره جلياً في التفوق الدراسي. وقد كان العالم الأمريكي هنري موراي أول من لفت النظر إلى الإنجاز بوصفه مكوناً من مكونات الشخصية. فقد حدد عدداً من الحاجات دعاها حاجات عالمية، تتوفر لدى الأفراد جميعهم بغض النظر عن الجنس أو العرق أو العمر، وكانت الحاجة إلى الإنجاز من بين الحاجات العالمية التي أقر بوجودها، وعرفها بمجموعة القوى والجهود التي يبذلها الفرد من أجل التغلب على العقبات وإنجاز المهام الصعبة بالسرعة الممكنة (النشواتي، 1993: 217).
تعددت تعريفات التحصيل الدراسي، ونذكر منها ما عرّفه ويبستر بأنه "أداء الطالب لعمل ما من الناحية الكمية أو النوعية". ويشير غابلن إلى أن التحصيل الدراسي عبارة عن "مستوى معين من الإنجاز أو الكفاءة في العمل الدراسي كما يتم تقييمه من قبل المدرسين أو باستخدام الاختبارات المقننة أو الاثنين معاً" (رمزي، 1986: 58).
الأهمية الاجتماعية للتحصيل الدراسي:
برزت الحاجة الماسة إلى العلم ومتابعة التحصيل الدراسي من خلال دور العلم الكبير والفعال في حياة الفرد والمجتمع على المستويات كافة، وفي مختلف الاتجاهات، فأهمية التحصيل الدراسي وفوائده تظهر على شخصية الفرد. وتبدو أهمية التحصيل الدراسي من خلال ارتقائه تصاعدياً كونه يعد الفرد لتبوأ مكانة وظيفية جيدة في معظم الحالات، فالكليات العلمية تعد طلبتها لمهن ما زالت تحتل قمة الهيكل المهني، وهي بحكم تاريخها وطبيعة العمل فيها والمزايا التي تمنحها والمكانة التي تعطيها للعامل فيها، تجعل الطلبة أكثر إصراراً وإقبالاً على الالتحاق بها، بصرف النظر عما إذا كانت تتفق مع قدراتهم واستعداداتهم وميولهم (نوفل، 2001: 28).
ولا شك أن التحصيل الدراسي له أثره الكبير على شخصية الطالب، فالتحصيل الدراسي يجعل الطالب يتعرف على حقيقة قدراته وإمكاناته، كما أن وصول الطالب إلى مستوى تحصيلي مناسب في دراسته للمواد المختلفة يبث الثقة في نفسه ويدعم فكرته عن ذاته، ويبعد عنه القلق والتوتر مما يقوي صحته النفسية، أما فشل الطالب في التحصيل الدراسي المناسب لمواد دراسته، فإنه يؤدي به إلى فقد الثقة في نفسه والإحساس بالإحباط والنقص وإلى التوتر والقلق، وهذا من دعائم سوء الصحة النفسية للفرد (بدور، 2001: 173).
العوامل المؤثرة في التحصيل الدراسي:
يتزايد الاهتمام بين المختصين بالتعرف على العوامل المؤثرة في التحصيل الدراسي للطلبة، ويأتي هذا الاهتمام من منطلق الكشف عن الطرق التي تساعد على زيادة التفوق الدراسي لتدعيمها وتعزيزها، إضافة إلى التعرف على العوامل التي قد تؤدي إلى الإخفاق الدراسي لتجنبها، ومن هذه العوامل:
1- المعلم كعامل مؤثر في التحصيل الدراسي: للمعلم دور أساسي ومباشر في مستوى الطلبة وتحصيله إمّا سلباً أو إيجاباً، وذلك من خلال قدرته على التنويع في أساليب التدريس ومدى مراعاته للفروق الفردية بين الطلبة، وحالته المزاجية العامة، ونمط الشخصية، ومدى قدرته على تعميم الاختبارات التحصيلية بطريقة جيدة وموضوعية، وعدم التساهل في توزيع العلامات بما لا يتناسب وما يستحقه الطلبة (حمدان، 2003: 57).
2- التحصيل الدراسي والاستعداد الدراسي: يُعَرّف الاستعداد الدراسي بأنه مدى قابلية الفرد للتعلم أو مدى قدرته على اكتساب سلوك أو مهارة معينة إذا ما تهيأت له الظروف المناسبة. ويختلف هذا السلوك المتعلم في درجة تعقده، فقد يكون مهارة عقلية مثل تعلم الرياضيات أو تعلم أنشطة حركية. ويختلف التحصيل الدراسي عن الاستعداد الدراسي، فالاستعداد الدراسي يعتمد على الخبرة التعليمية العامة أي يعكس التأثير التجميعي للخبرات المتعددة التي يكتسبها الفرد في سياق حياته، فيعتمد على خبرات تعليمية محددة في أحد المجالات الدراسية، كما أن الاختبارات التحصيلية تقيس التعلم الذي يتم تحت شروط محددة بدرجة نسبية وفي ظروف يمكن التحكم بها، ويكون التركيز على الحاضر والماضي أي ما تم تعلمه بالفعل. أما اختبارات الاستعدادات فإنها تتنبأ بالأداء اللاحق أي ما يمكن للفرد أداؤه مستقبلاً إذا ما أتيحت له الظروف المناسبة (علام، 1999، 306).
3- التحصيل الدراسي ومفهوم الذات: من العوامل التي لها تأثيرها على التحصيل الدراسي مفهوم الذات عند الطالب وتقدير الطالب لذاته. إن هذا التقدير يكسب الطالب الثقة بعمله واجتهاده ويقينه بالنجاح واجتياز المرحلة الدراسية دون صعوبات، وإن مفهوم الذات هذا يؤدي إلى تحسين سلوك الطالب في مدرسته علاوة على أدائه الأكاديمي (نوفل، 2001: 39).
4- المناهج والتحصيل الدراسي: المنهاج المدرسي هو جميع الخبرات "النشاطات " أو الممارسات المخططة، التي توفرها المدرسة، لمساعدة الطلبة على تحقيق النتاجات التعليمية المنشودة بأفضل ما تستطيعه قدراتهم (الحيلة ومرعي ، 2000: 25).
5- الإدارة والتحصيل الدراسي: إن الإدارة أياً كان نوعها، هي المسئولة عن النجاح والإخفاق الذي يحصل لمجتمعٍ من المجتمعات، والتربية في تقدمها وتخلفها تعكس ما يدور في مؤسساتها من ممارسات إدارية، كما أن التطور التربوي وتحولاته الكبيرة ناتج عن التحولات الإدارية، من نمط تقليدي إلى نمط إداري حديث. فمحور العملية التعليمية يدور حول الطالب وحول توفير كل الظروف والإمكانات التي تساعد على توجيه نموه العقلي والبدني والروحي، والتي تعمل على تحسين العملية التعليمية لتحقيق هذا النمو، فلم تعد الإدارة المدرسية مجرد تسيير المدرسة سيراً روتينياً هدفها مجرد المحافظة على النظام والتأكد من سير المدرسة وفق الجدول الموضوع، بل أصبح عمل الإدارة الأساسي يدور حول تحقيق الأهداف التربوية الاجتماعية، إضافة إلى الاهتمام بالنواحي الإدارية وتوجيه الوظائف الإدارية لخدمة هذه العملية الرئيسية (آل ناجي، 2000: 1، 7).
مقدمة :
أولى التربويون والمدرسون والباحثون اهتماماً متزايداً بدراسة ظاهرة التحصيل الدراسي وبخاصة التحصيل الدراسي المتدني، باعتبارها مشكلة تربوية هامة تمثل مصدر إهدار في القوى البشرية الفعالة التي يصعب الإتيان ببديل عنها للمجتمع. ولقد عالجت بحوث عديدة هذه المشكلة محددة العوامل البيئية والفردية من حيث مدى علاقتها بالتكيف المدرسي، فقد أدرك كل من التربويين والنفسانيين أهمية التكيف المدرسي، وخاصة في المجتمعات التي تولي أهمية للتحصيل الدراسي والتنافس بين الطلبة (رمزي، 1986: 54).
إن العلاقة بين التكيف المدرسي والتحصيل الدراسي علاقة جد وثيقة، ذلك أنّ حياة الطلبة داخل المدرسة حافلة بالخبرات التي تؤثر إيجاباً أو سلباً على تكيفهم وتحصيلهم الدراسي. وواقع الحال أن المدرسة الثانوية تواجه الطلبة بعناصر جديدة لم يعتادوا عليها في المرحلة السابقة وربما يتطلب هذا تعديلاً في أساليب التكيف التي يحملها، أو تكوين أساليب تكيف جديدة. ومن بين ما توفره المدرسة الثانوية للطلبة المواد التعليمية التي تسهم في أغناء معارفهم، كذلك توفر جواً جديداً من العلاقات الجديدة بين الطالب وغيره من الأفراد، وهنا نشير إلى العلاقة بينه وبين زملائه من جهة وبينه وبين معلميه من جهة ثانية، وكذلك علاقته مع الإدارة من جهة ثالثة (جبريل، 1983: 90).
وتعتبر هذه العلاقات ميداناً واسعاً لأشكال من التكيف الاجتماعي التي قد تكون إيجابية مثمرة أو سلبية تؤدي إلى سوء تكيف.
وقد ظل الاهتمام لفترات طويلة يرتكز على دراسة التحصيل الدراسي وكأنه يرتبط فقط بالجانب العقلي للطلبة، ولكن الدراسات الحديثة أشارت إلى أهمية الجوانب النفسية في التحصيل، ومن هذه الجوانب مدى تكيف الطالب ضمن المدرسة، وقد أثبتت هذه الدراسات أن الطلبة المتفوقين دراسياً يمتازون من حيث مستوى إحساسهم بالأمن النفسي والاجتماعي، كما يمتازون بالثقة بالنفس والتكيف الاجتماعي السوي مع الآخرين، في حين أظهرت نتائج بعض الدراسات أن المتخلفين دراسياً يعانون بعض المشكلات النفسية كنقص في التكيف الاجتماعي وشعور بالحرمان وإحساس عميق بعدم الثقة بالنفس وعدم الشعور بالأمن (الطحان، 1978: 503).
إن الطلبة كغيرهم من أفراد المجتمع، لهم دوافعهم وحاجاتهم الجسمية والنفسية والاجتماعية التي يسعون إلى إشباعها، ويتوقف مدى تكيفهم على درجة هذا الإشباع (الشيباني،1973: 42). لذلك يجب على المدرسة أن تأخذ دورها في مساعدتهم من أجل الوصول إلى مستوى أفضل من التكيف الاجتماعي، وعدمُ تمكنها من إشباع هذه الحاجات يؤدي إلى نتائج سلبية أهمها فشلهم في التكيف مع جو المدرسة. ويؤكد هيلجارد (Hilgard,1962) أنّ الخبرات التربوية التي يكتسبها الطلبة تعد أحد المصادر ذات الأثر في تكيفهم، وأنها تسهم في تنمية قدراتهم على إقامة علاقات إيجابية ناجحة في المواقف الاجتماعية المختلفة.
كما يلاحظ في سياق العمل التربوي أن الطلبة ذوي التحصيل المنخفض يعانون صعوبات في التكيف الشخصي والاجتماعي والمدرسي، بينما يغلب على ذوي التحصيل المرتفع أن يكونوا أسلم تكيفاً (جبريل، 1983: 2).
وإن الأساس الأول لعدم التكيف الشخصي هو وجود حالة صراع انفعالي يعانيها الفرد، وينشأ هذا الصراع نتيجة وجود دوافع مختلفة توجه كل منها الفرد وجهات مختلفة.
والفرد لا يستطيع العيش في فراغ، إذ إن كل كائن إنساني يعيش في مجتمع، وتحدث داخل إطار هذا المجتمع عمليات من التأثير والتأثر بين أفراد ذلك المجتمع، كما أنهم يتصرفون وفق مجموعة من النظم والقوانين والعادات والقيم التي يخضعون لها، للوصول إلى حل مشاكلهم الحيوية، ولاستمرار بقائهم بطريقة صحيحة نفسياً أو اجتماعياً (فهمي، 1978: 19: 23).
والمدرسة كمؤسسة اجتماعية تضم ثلاث فئات هي: الطلبة - المدرسون - الإداريون، ويتم التفاعل بين هذه الفئات عبر التواصل اليومي، وكل ذلك يكوّن نظاماً اجتماعياً فريداً له سماته المستقلة. وضمن هذه المؤسسة تبرز العلاقات الاجتماعية الواسعة بين أفرادها، وهذه العلاقات القائمة على المحبة والتعاون، أو على التناحر، لها تأثيرها الكبير على التحصيل الدراسي، فقد تحسنه أو تسيء إليه. ومن هنا تتجلى مشكلة البحث في العلاقة بين التكيف المدرسي والتحصيل الدراسي، فالتربية كما هو معروف عملية اجتماعية، لأن تعلم الطلبة ليس معرفياً فقط بل هو اجتماعي أيضاً. بمعنى آخر إن الطلبة لا يطورون قدراتهم العقلية بالإلمام بالمفاهيم وتذكّر الحقائق المنهجية فقط، ولكنهم في الوقت نفسه يتعلمون الاتصال بالآخرين ليصوغوا محاكماتهم العقلية ويطوروا استقلالهم اجتماعياً. هذا كله بالنسبة للفرد العادي، فكيف الحال بالنسبة للمتأخرين والمتفوقين تحصيلاً الذين ربما يجدون صعوبة في التكيف المدرسي بشكل عام، هذه الصعوبة قد تؤثر سلباً في تحصيلهم الدراسي.
مفهوم التكيف ومعناه:
يظهر التكيف في حياتنا في مناسبات عديدة وميادين مختلفة، فهناك تكيف الفرد مع البيئة الاجتماعية Social introversion، وتكيف المدرس مع عمله وتكيف الطالب مع مدرسته (عبد الله، 2001: 37).
وتميل الكائنات الحية إلى تغيير سلوكها استجابة لتغيرات البيئة، فعندما يطرأ تغير على البيئة التي يعيش فيها الكائن، فإنه يعدل سلوكه وفقاً لهذا التغيير (مثال ذلك تغيير الإنسان لباسه ليناسب الفصل والمناخ)، ويبحث عن وسائل جديدة لإشباع حاجاته. وإذا لم يجد إشباعاً لهذه الحاجات في بيئته، فإما أن يعمل على تعديلها أو تعديل حاجاته. وهذا السلوك أو الإجراء يسمى التكيف Adjustment. والتكيّف، في المعجم، يعني: ملائمة الكائن الحي بينه وبين البيئة التي يعيش فيها (مرعشلي ومرعشلي، معجم الصحاح: 423).
ويعد علم الأحياء من أول العلوم التي استخدمت مصطلح التكيف على نحو ما حددته نظرية (تشارلز داروين)، إذ يعد هذا المصطلح الأساسي الذي قامت عليه نظريته.
وهناك تكيف حسن وتكيف سيء. فالمقصود بالتكيف الحسن أو حسن التكيف قدرة الفرد على إشباع دوافعه أو حاجاته بطريقة ترضيه وترضي المحيطين به. والمقصود بالتكيف السيئ أو سوء التكيف هو عجز الفرد عن إشباع دوافعه أو حاجاته بطريقة ترضيه وترضي الآخرين (الهابط،1997: 36،37).
وقد تبين أن تكيف الفرد في مراحل نموه المختلفة يتوقف على مدى شعور الفرد بالأمن والطمأنينة في طفولته، فإذا تربى في جو آمن ودافئ سينمو بشكل سوي ويصبح قادراً على تحقيق ما يريد (Coleand Hall, 1997: 390).
وهذا أمر لا يقتصر على الجوانب البيولوجية من الحياة الإنسانية، بل ويتعمم أيضاً على الجوانب النفسية، أي على السلوك وردود الفعل (الاستجابات ) في التعامل مع متطلبات البيئة وضغوطها المتعددة. والمواءمة التي استخدمها داروين للتعبير عن وجهة النظر البيولوجية، استخدمها علماء النفس والاجتماع في مجالهم الإنساني تحت مفهوم التلاؤم استناداً إلى حقيقة علمية مفادها: إذا كان الإنسان قادراً على التلاؤم مع البيئة فإنه قادر أيضاً على التلاؤم – أي التكيف – مع المتغيرات والظروف الاجتماعية والنفسية التي تحيط به.(العبيدي، 2003: 2-3).
وبصيغة أخرى، إن التكيف هو القدرة على تكوين العلاقات المُرضية بين الفرد وبيئته، والتي تشمل جميع المؤثرات والإمكانيات والقوى المحيطة به، التي يمكن لها التأثير على جهوده للحصول على الاستقرار النفسي والجسمي في معيشته.(كركه، 1999: 79).
وتتمثل عملية التكيف في سعي الفرد الدائم ومحاولاته التوفيق بين متطلباته وحاجاته ومتطلبات البيئة المحيطة وظروفها. فالفرد أحياناً يجد نفسه في بيئة تستجيب لمتطلباته وحاجاته، وأحياناً لا يجد مثل هذا الإشباع من البيئة. وإن الإنسان الذي يسعى ويبذل قصارى جهده لمواجهة صعوبات البيئة ومشاكلها هو الإنسان السوي الذي يهدف إلى التكيف (جبل، 2000: 61).
محددات التكيّف:
المحددات البيولوجية الطبيعية:
وهي ما يرثه الفرد من البنية الوراثية المنفردة من الناحية البيولوجية التي تحدد إمكانات الفرد وقدراته، وتتصل بهذا المحدد الحاجات البيولوجية التي تتمثل في الحاجات هي التي تولّد الدافعية اللازمة للسلوك الإنساني.
المحددات الثقافية والمعرفية:
وهي تلك التي تسمح للفرد بأن يحقق التكيف، وتتمثل في:
أ- بناء الأسرة.
ب- التربية المدرسية.
ج- النظام الاجتماعي.
د-الولاء الاجتماعي والشعور بالانتماء.
و- الظروف الاقتصادية والاجتماعية.
ز- الدين والعقيدة.
وترتبط هذه المكونات بعملية التنشئة الاجتماعية التي يخضع لها الفرد ( الملاح، 2003: 2)
أنواع التكيف:
التكيف الذاتي (الشخصي):
يعرّف التكيف الشخصي على أنّه عملية تفاعلية بين الفرد وبيئته، ويقوم الفرد من خلال هذه العملية إما بتعديل سلوكه أو بتعديل بيئته ( الأطرش، 2000: 6).
ويقصد به قدرة المرء على التوفيق بين دوافعه وأدواره الاجتماعية المتصارعة مع هذه الدوافع، وذلك لتحقيق السعادة وإزالة القلق والتوتر (جبل، 2000: 67).
والعجز عن تحقيق التكيف الذاتي يجعل الفرد في صراعات نفسية مستمرة، لذا نجد مثل هذا الفرد العاجز عن التكيف الذاتي عُرضة للتعب الجسمي والنفسي لأقل جهد يبذله ونافذاً للصبر سريع الغضب مما يؤدي إلى سوء علاقته الاجتماعية بالآخرين أي إلى سوء تكيفه الاجتماعي. وهذا يوضح العلاقة المتبادلة بين التكيف الذاتي والتكيف الاجتماعي، ويوضح أيضاً أن المقصود من التكيف الذاتي هو خلو الفرد من الصراعات الداخلية ( ديب، 2000: 30).
التكيف الاجتماعي:
وتُعْرَف عملية التكيف الاجتماعي في مجال علم النفس الاجتماعي باسم عملية التطبيع الاجتماعي، ويتم هذا التطبيع داخل إطار العلاقات الاجتماعية التي يعيش فيها الفرد ويتفاعل معها سواء أكانت هذه العلاقات في مجتمع الأسرة والمدرسة والأصدقاء، والمجتمع الكبير بصفة عامة. والتطبيع الاجتماعي الذي يحدث في هذه الناحية، ذو طبيعة تكوينية، لأن الكيان الشخصي والاجتماعي للفرد يبدأ باكتساب الطابع الاجتماعي السائد في المجتمع، من اكتساب اللغة وتشرّب بعض العادات والتقاليد السائدة، وتقبل لبعض المعتقدات ولنواحي الاهتمام التي يؤكدها مجتمعه. وهذا يعني تكيف الفرد مع بيئته الخارجية المادية والاجتماعية. والمقصود بالبيئة المادية هو كل ما يحيط بنا من عوامل مادية كالطقس والجبال والبحار والأنهار والأبنية ووسائل المواصلات والأجهزة والآلات... الخ أما البيئة الاجتماعية فنعني بها كل ما يسود المجتمع من قيم وعادات وتقاليد ودين وعلاقات اجتماعية ونظم اقتصادية وسياسية وتعليمية وآمال وأهداف. .. الخ ولما كانت هذه البيئة متغيرة، مادية كانت أو اجتماعية، فإنّ هذا التغير يثير مشكلات تستلزم من الإنسان التفكير والمواجهة، وتعرضه للانفعالات والقلق، وتتطلب منه تعديل بعض سلوكياته، لهذا كان لا بد من تعاون الوظائف النفسية المختلفة وتقويتها لمقاومة هذه التغيرات والتكيف معها. أما إذا كانت هذه التغيرات شديدة وعجز الفرد عن التكيف معها، فسيكون نتيجة ذلك وقوعه فريسة للحالات المَرَضِيّة، والفرد القادر على أن يتكيف مع هذه البيئة المتغيرة يكون مصدر سعادة لنفسه ولمجتمعه. وهذا يوضح العلاقة الوثيقة بين الفرد وبيئته، وأن التكيف الذاتي والتكيف الاجتماعي شرطان أساسيان للصحة النفسية ولا يتأتى ذلك التكيف إلاّ إذا سلك الإنسان السبل المشروعة التي تجعله راضياً عن نفسه بعيداً عن مراجعة العقل وتأنيب الضمير، كما تجعل مجتمعه راضياً عنه سعيداً به (الهابط، 2003: 31-32).
التكيف البيولوجي:
يشير مصطلح التكيف في عالم الأحياء إلى أنّ الكائن الحي يحاول أن يوائم بين نفسه والعالم الطبيعي والظروف البيئية التي يعيش فيها، سبباً للاحتفاظ ببقائه باعتباره فرداً أو نوعاً. وبالتالي هذا يتطلب منه أن يواجه أية تغييرات في البيئة بتغييرات ذاتية أو تغييرات بيئية. وعليه يمكن أن يوصف سلوك الإنسان طبقاً لهذا المفهوم كردود أفعال للعديد من المطالب والضغوط البيئية التي يعيش فيها ( محرز، 2003: 59 ).
والتكيف اصطلاح اكتسبه علم النفس من البيولوجيا وفقاً لما جاء في نظرية النشوء والارتقاء لدارون التي تؤكد أن الكائن الحي يحاول وبشكل مستمر أن يوائم بين نفسه والعالم الطبيعي الذي يعيش فيه من أجل البقاء ( العبيدي، 2003: 2).
التكيف النفسي:
استعار علماء النفس من علم الأحياء مصطلح التكيف وأعادوا تسميته بمصطلح التكيّف " إذ يعتبر علم النفس بكل فروعه دراسة لعمليات التكيّف، فهو علم دراسة توافق الفرد مع مواقف حياته التي تمليها عليه طبيعة الإنسان في استجابتها لمواقف الحياة " (محرز، 2003: 59). فالتكيّف من وجهة نظر التحليل النفسي يعني الالتزام والبحث عن منافذ لضغوطنا الداخلية، فهي التي تهيئ لنا إشباع حاجاتنا الضرورية وتجنب عقاب المجتمع أو إدانة الذات، في حين يتضمن التكيّف من وجهة نظر السلوكيين استجابات مكتسبة من خلال الخبرة التي يتعرض لها الفرد، والتي تؤهله للحصول على توقعات منطقية، وعلى الإثابة. فتكرار سلوك ما من شأنه أن يتحول إلى عادة (النيال، 2002: 140،141).
التكيف المدرسي:
تترافق العملية التربوية عادة مع قدر كبير من الجهد الجسدي والكرب النفسي، وغالباً ما يكون لذلك عواقب وخيمة على صحة الطالب النفسية والجسدية. ويتعرض الطالب لمشكلات كثيرة في المدرسة، منها المنافسة واختلاف التجاوب الفردي، وعدم التكيف مع المجتمع المدرسي، إضافة إلى صعوبات التعلم ذات المنشأ النفسي. (الأنصاري،2003: 1).
فالصحة النفسية هي الحالة التي تُشعر الشخص بالقدرة على استيعاب الضغوط واحتمالها، وبالتالي مواجهتها بحيث لا يفقد توازنه عندما يصادف المواقف المتأزمة. والتكيف المدرسي هو نجاح الفرد في المؤسسات التعليمية والنمو السوي معرفياً واجتماعياً، وكذلك التحصيل المناسب، وحل المشكلات الدراسية مثل ضعف التحصيل المدرسي (الديب ، 2001: 40).
ومن أهم عوامل النجاح التركيز على دور المعلم، من خلال برامج التدريب الفعالة قبل الخدمة وفي أثنائها، لتهيئته للتعامل الصحيح مع مشكلات الطلبة النفسية في مراحلها المبكرة. ويتم ذلك من خلال تعزيز الممارسات الإيجابية للصحة النفسية في المدرسة (الأنصاري، 2003: 1).
عوامل التكيف المدرسي:
1_ الطالب:
فقدرات الطالب وصفاته الشخصية الخاصة، كالحالة الصحية، والجنس، والسن، ومستوى التعليم، والسمات المزاجية، والعادات الشخصية، ومستوى طموحه، وعوامل التنشئة الاجتماعية والخبرات التي يمر بها من خلال انتمائه إلى جماعات متعددة، كلّها عوامل تهدف إلى إيجاد التوافق بين حاجاته الشخصية ومطالب المجتمع، وإلى إيجاد نوع من السلوك يحقق رغبات الأفراد ويرضى عنه الآخرون (صالح، 1996: 62).
2_ الزملاء أو جماعة الأقران:
تبدأ عملية تحوّل الطفل من علاقاته الاجتماعية الأسرية إلى العلاقات الاجتماعية الخارجية والارتباط بالقرناء في فترة مبكرة من حياته على شكل زيارات خاطفة للأقارب أو نزهات يومية عابرة يتحرر فيها من قيود الأسرة، إلاّ أنّ هذا التحوّل يأخذ شكلاً فعلياً عندما يلتحق الطفل بالمدرسة. ويبدأ هذا التحوّل بالتطور مع مرور الزمن، حيث يكون أفراد البيئة المدرسية أكبر عدداً من أعضاء الأسرة مما يستدعي بذل الكثير من الجهد من قبل الطالب نتيجة المنافسة وبغية تحقيق التكيّف مع أكبر عدد من الزملاء، وإثبات الجدارة في تحقيق المكانة الاجتماعية. (لطفي، 2000: 12).
وتعتبر علاقة الطالب بزملائه من العلاقات الهامة في المحيط المدرسي، وقد يكون لجماعة الرفاق تأثير في سلوك الطالب أكثر من تأثير الأسرة والمدرسين والمربين وسواهم، ذلك أن الطالب حين ينضم إلى هذه الجماعات فإنه يشترك مع أعضائها في الاهتمامات والأفكار، وتشبع رغبات معينة لديه، وتحقق له مصالح معينة، كما أن الجماعة مجال رحب للصداقة والزمالة يشعر فيها الطلبة بكيانه وأهميته ووضعه الاجتماعي، فهو يتعاطف مع الآخرين ويتعاطف الآخرون معه، كما يجد فيها من يقدم له النصح والإرشاد ويوجهه لتفادي أخطائه، كما أن الجماعة مصدر للمعلومات التي يريد أن يعرفها. والجماعة بالإضافة إلى ما سبق تشبع رغبة الطالب في المنافسة أو التعاون وتعطيه الفرصة ليثبت قدراته ويشغل طاقاته ويحصل على احترام الآخرين.
3_ المدرسة:
تواجه المؤسسات التربوية ومنها المدرسة اليوم تحديات عديدة أفرزتها متغيرات متعددة في عالم سريع التغير، وفي الحقيقة فإن دور المدرسة ووظيفتها في التغيير السليم ليس هو في حد ذاته ما يقصد به التغيير الحاصل في المناهج وأساليب التعلم ومؤهلات العاملين والمبنى المدرسي الجديد بقدر ما يكون العمل على إكساب العادات والقيم الفكرية والاجتماعية، ومدى التغيير الذي تنجح في تحقيقه في سلوك الأفراد ومعلوماتهم الثقافية والاجتماعية والعلمية والأخلاقية بما يساعدهم على التكيف الصحيح وتفاعلهم معه بل ويساعدهم على التقدم في هذا المجتمع (العويسي، 2003: 1).
وليست المدرسة مكاناً يتجمع فيه الطلبة للتحصيل الدراسي فقط، بل هي مجتمع صغير يتفاعلون فيه "يتأثرون ويؤثرون " حيث يتم اتصال بعضهم بالبعض الآخر، ويشعرون بانتماء بعضهم إلى البعض، ويهتمون بأهداف مشتركة لمدرستهم، كل ذلك يؤدي إلى خلق الروح المدرسية عندهم، والجو المناسب لنموهم الفردي والاجتماعي.
كما أن المدرسة ليست مجتمعاً مغلقاً يتفاعل الطلبة داخله بمعزل عن المجتمع الذي أنشأ هذه المدرسة، بل هي تعمل على تقوية ارتباط الطلبة بمجتمعهم وبيئتهم، وتنمية الشعور بالمسؤولية تجاه هذا المجتمع وتلك البيئة (الغامدي، 2003: 1).
وتعتبر العلاقة بين الطلبة والمدرسين من العلاقات الهامة فيما يتعلق بالتكيف المدرسي ومن خلال هذه العلاقة تنجح أو تفشل العملية التعليمية، كما تلعب هذه العلاقة دوراً رئيسياً في حل كثير من المشكلات التعليمية والنفسية والاجتماعية، ذلك أن طلبة المرحلة الثانوية، بحكم سنهم، يمرون بكثير من المشكلات الناتجة عن خصائص المرحلة التي يمرون بها، فضلاً عما تضعه الدراسة نفسها من ضغوط على الطلبة وما تمارسه الأسرة من ضغوط بشأن توقعاتها منه.(الصالح، 1996: 73).
دور المدرسة في عملية التربية والتعليم:
تعتبر المدرسة المؤسسة التربوية التي يقضي فيها الطلبة معظم أوقاتهم. وهي التي تزودهم بالخبرات المتنوعة، و تهيئهم للدراسة والعمل، و تُعدّهم لاكتساب مهارات أساسية في ميادين مختلفة من الحياة. وهي توفر الظروف المناسبة لنموهم جسمياً وعقلياً واجتماعياً. وهكذا فالمدرسة تساهم في النمو النفسي للطلبة وتنشئتهم الاجتماعية والانتقال بهم من الاعتماد على الغير إلى الاستقلال وتحقيق الذات. إلا أنّ في كثير من الحالات نرى أن المدرسة تنظر إلى الطلبة كما لو كانوا مجموعة متجانسة لا تمايز فيها ولا تفرّد. وبذلك فهي تغفل سماتهم العقلية والنفسية والاجتماعية و لا تراعي الفروق في استعداداتهم و قدراتهم وميولهم واتجاهاتهم ورغباتهم وطموحاتهم. فالطالب المثالي النموذجي هو الذي يبدي اهتماماً بالدراسة واحتراماً لقوانين المدرسة وأنظمتها والعاملين فيها. ونجد في كثير من الأحيان أن المدرسة لا تفهم حاجات الطالب ومشكلاته الدراسية والمدرسية. ولا تتهيأ لمواجهة متطلبات نموه العقـلي والمعرفي والاجتماعي. بل تقف في وجهه وتتهمه بالكسل. ومن ثم يظهر الطالب سلوكات لا تتناسب مع المعايير الاجتماعية السائدة. وتأخذ هذه السلوكات أشكالاً مختلفة تظهر في الصف، كالعدوان والسخرية واللهو والتمرد واللامبالاة أو الانطواء والعزلة والتوترات الانفعالية وعدم الرغبة في المدرسة والهروب منها. وكل ذلك يزيد من قلق الطالب واضطرابه وينعكس سلباً على تحصيله الدراسي (تقلا، 2004: 1).
التكيّف المدرسي والمدرسة:
إنّ دور المدرسة في الوقاية من الصعوبات والمشكلات التي يعاني منها الطلبة هام جداً، لكنّها ليست الوسط الوحيد الذي يدخل ضمن هذا المنظور، فالأهل، والمربين شركاء في هذا الموضوع (Leg Ault, 1999: 3).
وعلى المدرسة أن تجد طريقة جديدة في إيجاد الكفاءات اللازمة التي تساعد في حل المشكلات والصعوبات التي يعاني منها الطلبة، فالعلاقة الجيّدة بينها وبين الطالب والوسط الاجتماعي المدرسي تساهم في تقليص نسبة الطلبة الذين يتسربون منها وبالتالي تحسين المواظبة عليها والنجاح الدراسي (Robin, 2005: 1).
إذا أردنا أن نحقق للطلبة قدراً من التكيف يجب أن يكون المربون على وعي كامل بالقواعد العامة، للاستعانة بها في تحقيق عملية تكيف الطالب في المدرسة. وسنعرض فيما يلي بعض هذه القواعد العامة التي تؤثر في تربية هؤلاء الأبناء، لتجنيبهم التعرض للأزمات النفسية ولنحقق لهم حياة خالية من الأزمات والصراع والقلق:
1- أن تتاح للطالب الفرص لتأكيد ذاته لأنه في نظر نفسه لم يعد الطفل الذي لا يتاح له أن يتكلم أو أن يسمع، وهو يسعى أن يكون له مركز بين جماعته وأن يحصل على اعتراف هذه الجماعة بشخصيته.
2- يجب ألا تكون فلسفة المدرسة قائمة على الكبت أو إتباع طائفة من صور القسر والإجبار.
3- يجب أن تساعد التربية المدرسية الطالب على أن يستخلص وجهة نظر لنفسه عن معنى الحياة، فكل من الشاب والفتاة في هذه المرحلة يود أن يعرف من يكون وكيف يرتبط بماضيه ومستقبله، وهو يجاهد في سبيل إقامة بناء متماسك من العادات الاجتماعية والآراء التي كونها منذ الطفولة. ويجب ألا يكون النظام في المدرسة نظاماً تسلطياً.
4- يجب ألا تكون الفصول مكتظة، فالطالب في مثل هذه الفصول نادراً ما يستطيع أن يتعلم في المدرسة بطريقة سوية.
5- يجب أن تسعى التربية إلى تحبيب التعليم إلى نفوس الطلبة، وبقدر ما تنجح المدرسة في القيام بهذه العملية، تستطيع تحقيق التكيف الناجح مع المدرسة. والمقصود بعملية تحبيب التعليم أن تجعل من المناهج الدراسية مواد يحبها الطلبة،وأن تجعل المدرسة مكاناً محبوباً بالنسبة إليه يقضي فيه ساعات مشوقة من نهاره ( فهمي، 1975: 123، 125، 129).
البيئة الفيزيائية للصف وحجمه:
تعد البيئة الفيزيائية للصف وحجمه من المتغيرات التي لها دور في التكيف، ويرى غالتون أن التكيف يرتبط ارتباطاً وثيقاً بطريقة ترتيب الصف وينعكس ذلك على التحصيل الدراسي، وقد أقام دراسته على العلاقة بين ترتيب الصف وتجهيزه من جهة وأثر ذلك على التحصيل الدراسي من جهة أخرى فكانت الصفة الأكثر انتشاراً في الصف التقليدي هي الضجيج الذي يحدثه الطلبة والذي ينعكس سلباً على سير العملية التعليمية، أما الصفوف المفتوحة فكان الطلبة فيها على نوعين: بعضهم متكيف مع بيئته وبعضهم الآخر أقل تكيفاً (حبيو، 1999: 87).
إن قلة عدد طلبة الصف المدرسي أو كثرتهم يؤثر إيجاباً أو سلباً في التحصيل الدراسي إذ إنّ هذا المتغير له دور هام في تحقيق التكيف داخل الصف. إن الطلبة الذين يتعلمون في مجموعات صغيرة العدد يمكن أن يستثاروا من خلال وضعهم في جماعات تنافسية، ويمكن أن يبنوا علاقات اجتماعية مع الآخرين. كما أن المجموعة الصغيرة من الطلبة تتفاعل تفاعلاً أكثر إيجابية وتحقق درجة عالية من التكيف وتستطيع تحسين تحصيلها الدراسي أكثر من المجموعة الكبيرة، أما إذا كان الصف كبير الحجم فإن عملية التكيف تصبح صعبة، كما أن تقليل حجم الصف يزيد فرص نشاط الطلبة ويجعلهم أكثر قابلية للمشاركة الإيجابية فيما يقومون به من أعمال وأنشطة (حبيو،1999: 88).
التكيّف المدرسي ومستوى الصف الدراسي:
يعتبر المستوى الصفي للطالب من العوامل الهامة ذات العلاقة بتكيّف الطالب المدرسي. ويرى عاقل (1976) أنّ بعض علماء النفس يؤكّدون أنّ طاقات الطالب العقلية تنمو بانتقاله من صف لآخر، ويصبح أكثر قدرة على التكيّف مع المحيط. كما أنّ احتكاكه مع الراشدين من جهة ومع زملائه في المدرسة من جهة أخرى يلعب دوراً هاماً في تكيّفه الاجتماعي المدرسي (السقار، 1989: 6).
وقد بيّن السقار نقلاً عن كوفمان (Kauffman, 1974) أنّ هناك ثلاثة عوامل تلعب دوراً هاماً في السلوك التكيّفي المدرسي هي: النضج والتعلّم والتكيّف الشخصي والاجتماعي. ففي السنوات الأولى من حياة الطفل، يعدّ الكلام والمشي من أهم مظاهر السلوك التكيّفي. وبدخول الطفل المدرسة، يعدّ التحصيل المدرسي من المؤشرات الرئيسة على التكيّف الاجتماعي المدرسي للطفل. وبتقدّم الطالب من مرحلة إلى أخرى، يسهم نضجه وزيادة خبراته التعلمية في ارتفاع مستوى تكيّفه. وفي سن الرشد تعدّ قدرة الفرد على تحمّل المسؤولية واعتماده على نفسه وتحقيقه لمطالبه الشخصية والاجتماعية بشكل سليم أبرزَ السلوكات التكيّفية الاجتماعية.
وكما هو الحال في جوانب النمو المختلفة، فإنّ التكيّف الاجتماعي للطفل يتخذ شكلاً متدرجاً في تقدمه نحو النضج الاجتماعي، الذي يزداد مع تقدّم الطالب من صف دراسي إلى آخر، تلك الجوانب التي تصاحب زيادة خبرات الطالب المدرسية. كما أنّ أنماط السلوك التكيّفي الاجتماعي تختلف في كل مرحلة من مراحل حياة الطالب المدرسية مثل بقية جوانب النمو الأخرى (السقار، 1989: 6).
مدير المدرسة:
الإدارة المدرسية هي مجمل الفعاليات العملية التنظيمية والفنية التي تشمل علاقة الطلبة داخل الصف وعلاقتهم مع المدرس والموجهين والمدير، وتنظيم الأنشطة وربطها بالمواد الدراسية وإجراء التقويم المستمر. أي نحن أمام شبكة معقدة من العلاقات، ومطلوب إدارة هذه الشبكة بالأسلوب الإبداعي في جو من الديمقراطية والشفافية وتشجيع التفوق. ذلك أنّ الإدارة المدرسية لم تعد مجرد تسيير لشؤون المدرسة تسييراً روتينياً هدفه المحافظة على النظام في المدرسة فقط والإشراف على سير الدراسة، بل أصبح عملها الأساسي يدور حول تحقيق الأهداف التربوية سعياً لبناء شخصية الطالب البناء السليم والمتوازن والمتكامل (بلاّن، 2004: 10).
مدير المدرسة والتكيف المدرسي:
المدير الكفء يكون قدوة في كل شيء، فعله قبل قوله، وهو يجمع خلاصة أفكاره وتجاربه ليقدمها لمدرسيه وطلبته، فهو الأب الروحي لهذه المدرسة، يسأل عن أحوال هذا المدرس وذاك الطالب بقلب حنون عطوف، يطبق العلاقات الإنسانية في معاملاته، وتتدفق بين جوانبه الحكمة والحنكة والذكاء والأخلاق العالية الكريمة في كل تصرف من تصرفاته. ولاشك أن أسلوب المدير المدرسي يقوم بدور هام في نجاح العملية التعليمية ويؤثر على الروح المعنوية للعاملين الآخرين في المدرسة. ويتركز دور الإداريين في توفير المناخ المناسب لنجاح عملية التعليم وتأمين الخدمات وأنماط الرعاية المناسبة والوسائل المساعدة. (آل يوسف، 2003: 1).
التفاعل بين المدرس والطالب:
إننا نعاني قصوراً شديداً في معلوماتنا عن التفاعل بين الطالب والمدرس وعن أثر سمات المدرس على البيئة التعليمية للطلبة، إلاّ أنه بالرغم من المحاولات المتعددة لتصنيف نتائج الدراسات في هذا الموضوع فإنه لا يمكن القول بأنه توجد نتائج محددة وحاسمة.
ومن أشهر تصنيفات سلوك القائد في أندية الشباب وفي الفصل الدراسي ذلك التصنيف الذي وضعه "ليبت وهوايت"، فالنظام التسلطي يخلقه المدرس الذي يجعل من نفسه محوراً للعمل والنشاط، والذي يصر على التعامل الرسمي وعلى أن يكون محوراً لكل الاتصالات وعلى أن يكون مسيطراً وعلى أن يوجد المنافسة بين الطلبة وعلى أن يوقع العقاب بنفسه.
أما في النظام الديمقراطي فإن التركيز يكون على دور الطلبة أو المتعلم فهو محور العمل والنشاط وعلى ضرورة مشاركته في اتخاذ القرارات، وعلى أن تتسم العلاقات الإنسانية بالانفتاح وبالتعاون. أما في النظام الثالث والمسمى بالنظام الحر، فإن الطلبة يتمتعون بحرية مطلقة، ولا يقدم المدرس فيه إلاّ النادر من التوجيه والإرشاد. ومن الواضح أن النظام الحر يؤدي إلى المزيد من المشكلات. فالطالب الذي لا يجد له قائداً يوجهه لا بد أن يبحث له عن قائد، وعادة ما يكون قائداً غير عادي أو شاذاً، كما يضع الطلبة لأنفسهم معايير لأدائهم وسلوكهم مما يؤدي إلى العديد من المشكلات النظامية المزعجة. وقد وُجِد على العموم أن غالبية الطلبة يفضلون الجو الديمقراطي ألتغييري داخل الصف (الهابط، 2003: 36).
النشاط المدرسي:
النشاط المدرسي جانب تربوي هام يعد جزءاً متمماً للعملية التعليمية، وهو ذلك البرنامج التعليمي الذي يقبل عليه الطلبة برغبتهم بحيث يحقق أهدافاً تربوية معينة داخل الصف أو خارجه، وأثناء اليوم الدراسي أو بعد الانتهاء من الدراسة على أن يؤدي ذلك إلى نمو خبرة الطالب وتنمية هواياته وقدراته في الاتجاهات التربوية والاجتماعية المرغوبة.
ويشتمل النشاط المدرسي على مجالات متعددة ذات علاقة بالمادة الدراسية والحياة العامة للطلبة (الغامدي، 2003، 1، 2).
التكيّف المدرسي والنشاط المدرسي:
يُعد النشاط المدرسي ظاهرة اجتماعية تؤثر وتتأثر بغيرها، فممارسته بشكل إيجابي له مردود ملحوظ على الفرد من النواحي الاجتماعية والبدنية والنفسية بالإضافة إلى تحقيق الرضا الذاتي. كما أنّ استثمار وقت الفراغ يؤثر في العملية التربوية بأكملها، والطلبة الذين يشاركون في الأنشطة المدرسية، سواءً داخل أم خارج المدرسة، غالباً ما يتسمون بروح قيادية وثبات انفعالي وتفاعل اجتماعي، ولديهم القدرة على المثابرة عند القيام بأعمالهم.
كما أنّ المناشط الطلابية تُعد من أهم الوسائل التي يمكن استخدامها لتدعيم الحياة السوية للطلبة ولترفع من إنتاجهم وتحصيلهم الدراسي (السدحان، 2004: 199، 200، 201).
المنهاج:
شهد القرن العشرون تطوراً كبيراً في المفهوم التقليدي للمنهاج تبعاً لتنظيمه وطرائق التدريس وأساليبها، وجاء هذا التطور نتيجة للدراسات المنظمة في شتى الميادين، وفي مقدمتها علم نفس النمو وسيكولوجية التعلم والقدرات وعلم الاجتماع التربوي، لتؤكد عملية الفهم والتفكير والربط والاستنتاج في العملية التعليمية. وقد ترتب على ذلك تجرد المنهاج المدرسي من كثير من المواد التعليمية غير الوظيفية للتعلم. وتوالت نتائج البحوث لتؤكد أن التعلم عملية كلية وليست جزئية، كما أشارت إلى أهمية الدوافع في زيادة فاعلية التعلم. يشير بعض الباحثين إلى وجود عدة مبادئ عامة يستند إليها المنهاج الحديث ومن أهمها: أن يقوم المنهاج على أساس فلسفة للتربية، وأن يكون واسعاً وشاملاً، وأن يتسع للفروق الفردية بين الطلبة وأن يعنى بتشجيع الموهوب، وأن يهيئ الفرصة للخبرات التعليمية، ليعزز بعضها بعضاً، ليتحقق نمو الخبرات واستمرارها، وأن يضع في الحسبان تركيب المواد الدراسية وبناءها، وأن يزود المعلم بوسيلة تمكنه من معرفة دوره في النظام الكلي، وأن يضع في الحسبان شروط التعلم، وأنماط السلوك المراد تنميتها، وأن يكون متركزاً حول الحياة، وضرورة التقويم والمراجعة المستمرة ( آل ناجي، 2002: 18، 19 ).
إن التربية في أساسها عملية اجتماعية نفسية، تُعنى بالفرد، وتعكس ما في المجتمع من قيم ومثل وعادات وتقاليد وأنماط سلوك، وهي كذلك أداة المجتمع في صنع المستقبل واللحاق بالركب المعاصر من خلال إعداد الفرد وتكوين شخصيته تكويناً سوياً، والمنهاج هو: أداة التربية في تحقيق أهدافها، والوسيلة التي عن طريقها يحقق المجتمع أهدافه وطموحاته، والبيئة التي يصنع الأفراد ضمن إطارها بصورة سوية بحيث تتكامل شخصياتهم، ومن هذا المنطلق تأتي أهمية العناية بالمنهاج وبالأخص الأسس النفسية التي يقوم عليها.
ويقوم المنهاج على العديد من الأسس المختلفة مثل الأسس النفسية وغيرها.وإن بيان طبيعة المنهاج في المدارس الفلسفية التربوية المختلفة يمكن أن يعتبر بمثابة مقاييس أو معايير يستخدمها واضعو المنهاج التعليمي بهدف إبراز المنهاج بصورة متكاملة شاملة، فيمكن الاستفادة من نظرة هذه المدارس المختلفة للمنهاج (القضاة، 2004: 1).
التكيف المدرسي والمنهاج:
إن موقف الطالب من المادة الدراسية يؤثر بدرجة كبيرة على درجة تكيفه المدرسي وإن هذا الموقف يتحدد بموقف الطلبة من المعلم وبالدرجات التي يحصل عليها والمعلومات التي يقدمها المعلم للطلبة (منصور، 1999: 196).
ويحدد الزبادي بعض المبادئ التي ينبغي مراعاتها عند وضع المناهج حتى يتحقق جو من الصحة النفسية والتكيف للطالب:
1- "ألا يكون المنهاج عبارة عن مقتطفات صغيرة من عدد كبير من المواد الدراسية، فهذا النوع من المناهج يهتم بالجانب المعرفي إلا أنه يكون بعيدا كل البعد عن مواقف الحياة الطبيعية. إن حدوث انتقال أثر التعليم يتطلب وجود أوجه تشابه بين المواقف التعليمية في المدرسة ومواقف الحياة الطبيعية.
2- أٌكثر المناهج التي تحقق انسجاماً مع سيكولوجيا الطلبة هو منهاج المحاور فهذا النوع من المنهاج يساعد الطلبة على أن يدركوا الموقف التعليمي بكليته، فإذا كان هذا صحيحاً تكون النتيجة أن الطالب يرتاح إلى مثل هذه التدريبات، ويتجلى هذا الارتياح في محافظته على النظام وفي تقبله توجيهات المدرس.
3- ينبغي ألا يقتصر المنهاج على الخبرات المدرسية التي يستطيع أن يقوم بها داخل جدران المدرسة، بل يجب أن يتضمن أموراً أخرى تخرج بالطالب إلى البيئة حيث يوجد ألوان مختلفة من النشاط" (الزبادي، 1990: 151).
مفهوم التحصيل الدراسي ومعناه:
يعد التحصيل الدراسي أحد الجوانب الهامة للنشاط العقلي الذي يقوم به الطالب والذي يظهر أثره جلياً في التفوق الدراسي. وقد كان العالم الأمريكي هنري موراي أول من لفت النظر إلى الإنجاز بوصفه مكوناً من مكونات الشخصية. فقد حدد عدداً من الحاجات دعاها حاجات عالمية، تتوفر لدى الأفراد جميعهم بغض النظر عن الجنس أو العرق أو العمر، وكانت الحاجة إلى الإنجاز من بين الحاجات العالمية التي أقر بوجودها، وعرفها بمجموعة القوى والجهود التي يبذلها الفرد من أجل التغلب على العقبات وإنجاز المهام الصعبة بالسرعة الممكنة (النشواتي، 1993: 217).
تعددت تعريفات التحصيل الدراسي، ونذكر منها ما عرّفه ويبستر بأنه "أداء الطالب لعمل ما من الناحية الكمية أو النوعية". ويشير غابلن إلى أن التحصيل الدراسي عبارة عن "مستوى معين من الإنجاز أو الكفاءة في العمل الدراسي كما يتم تقييمه من قبل المدرسين أو باستخدام الاختبارات المقننة أو الاثنين معاً" (رمزي، 1986: 58).
الأهمية الاجتماعية للتحصيل الدراسي:
برزت الحاجة الماسة إلى العلم ومتابعة التحصيل الدراسي من خلال دور العلم الكبير والفعال في حياة الفرد والمجتمع على المستويات كافة، وفي مختلف الاتجاهات، فأهمية التحصيل الدراسي وفوائده تظهر على شخصية الفرد. وتبدو أهمية التحصيل الدراسي من خلال ارتقائه تصاعدياً كونه يعد الفرد لتبوأ مكانة وظيفية جيدة في معظم الحالات، فالكليات العلمية تعد طلبتها لمهن ما زالت تحتل قمة الهيكل المهني، وهي بحكم تاريخها وطبيعة العمل فيها والمزايا التي تمنحها والمكانة التي تعطيها للعامل فيها، تجعل الطلبة أكثر إصراراً وإقبالاً على الالتحاق بها، بصرف النظر عما إذا كانت تتفق مع قدراتهم واستعداداتهم وميولهم (نوفل، 2001: 28).
ولا شك أن التحصيل الدراسي له أثره الكبير على شخصية الطالب، فالتحصيل الدراسي يجعل الطالب يتعرف على حقيقة قدراته وإمكاناته، كما أن وصول الطالب إلى مستوى تحصيلي مناسب في دراسته للمواد المختلفة يبث الثقة في نفسه ويدعم فكرته عن ذاته، ويبعد عنه القلق والتوتر مما يقوي صحته النفسية، أما فشل الطالب في التحصيل الدراسي المناسب لمواد دراسته، فإنه يؤدي به إلى فقد الثقة في نفسه والإحساس بالإحباط والنقص وإلى التوتر والقلق، وهذا من دعائم سوء الصحة النفسية للفرد (بدور، 2001: 173).
العوامل المؤثرة في التحصيل الدراسي:
يتزايد الاهتمام بين المختصين بالتعرف على العوامل المؤثرة في التحصيل الدراسي للطلبة، ويأتي هذا الاهتمام من منطلق الكشف عن الطرق التي تساعد على زيادة التفوق الدراسي لتدعيمها وتعزيزها، إضافة إلى التعرف على العوامل التي قد تؤدي إلى الإخفاق الدراسي لتجنبها، ومن هذه العوامل:
1- المعلم كعامل مؤثر في التحصيل الدراسي: للمعلم دور أساسي ومباشر في مستوى الطلبة وتحصيله إمّا سلباً أو إيجاباً، وذلك من خلال قدرته على التنويع في أساليب التدريس ومدى مراعاته للفروق الفردية بين الطلبة، وحالته المزاجية العامة، ونمط الشخصية، ومدى قدرته على تعميم الاختبارات التحصيلية بطريقة جيدة وموضوعية، وعدم التساهل في توزيع العلامات بما لا يتناسب وما يستحقه الطلبة (حمدان، 2003: 57).
2- التحصيل الدراسي والاستعداد الدراسي: يُعَرّف الاستعداد الدراسي بأنه مدى قابلية الفرد للتعلم أو مدى قدرته على اكتساب سلوك أو مهارة معينة إذا ما تهيأت له الظروف المناسبة. ويختلف هذا السلوك المتعلم في درجة تعقده، فقد يكون مهارة عقلية مثل تعلم الرياضيات أو تعلم أنشطة حركية. ويختلف التحصيل الدراسي عن الاستعداد الدراسي، فالاستعداد الدراسي يعتمد على الخبرة التعليمية العامة أي يعكس التأثير التجميعي للخبرات المتعددة التي يكتسبها الفرد في سياق حياته، فيعتمد على خبرات تعليمية محددة في أحد المجالات الدراسية، كما أن الاختبارات التحصيلية تقيس التعلم الذي يتم تحت شروط محددة بدرجة نسبية وفي ظروف يمكن التحكم بها، ويكون التركيز على الحاضر والماضي أي ما تم تعلمه بالفعل. أما اختبارات الاستعدادات فإنها تتنبأ بالأداء اللاحق أي ما يمكن للفرد أداؤه مستقبلاً إذا ما أتيحت له الظروف المناسبة (علام، 1999، 306).
3- التحصيل الدراسي ومفهوم الذات: من العوامل التي لها تأثيرها على التحصيل الدراسي مفهوم الذات عند الطالب وتقدير الطالب لذاته. إن هذا التقدير يكسب الطالب الثقة بعمله واجتهاده ويقينه بالنجاح واجتياز المرحلة الدراسية دون صعوبات، وإن مفهوم الذات هذا يؤدي إلى تحسين سلوك الطالب في مدرسته علاوة على أدائه الأكاديمي (نوفل، 2001: 39).
4- المناهج والتحصيل الدراسي: المنهاج المدرسي هو جميع الخبرات "النشاطات " أو الممارسات المخططة، التي توفرها المدرسة، لمساعدة الطلبة على تحقيق النتاجات التعليمية المنشودة بأفضل ما تستطيعه قدراتهم (الحيلة ومرعي ، 2000: 25).
5- الإدارة والتحصيل الدراسي: إن الإدارة أياً كان نوعها، هي المسئولة عن النجاح والإخفاق الذي يحصل لمجتمعٍ من المجتمعات، والتربية في تقدمها وتخلفها تعكس ما يدور في مؤسساتها من ممارسات إدارية، كما أن التطور التربوي وتحولاته الكبيرة ناتج عن التحولات الإدارية، من نمط تقليدي إلى نمط إداري حديث. فمحور العملية التعليمية يدور حول الطالب وحول توفير كل الظروف والإمكانات التي تساعد على توجيه نموه العقلي والبدني والروحي، والتي تعمل على تحسين العملية التعليمية لتحقيق هذا النمو، فلم تعد الإدارة المدرسية مجرد تسيير المدرسة سيراً روتينياً هدفها مجرد المحافظة على النظام والتأكد من سير المدرسة وفق الجدول الموضوع، بل أصبح عمل الإدارة الأساسي يدور حول تحقيق الأهداف التربوية الاجتماعية، إضافة إلى الاهتمام بالنواحي الإدارية وتوجيه الوظائف الإدارية لخدمة هذه العملية الرئيسية (آل ناجي، 2000: 1، 7).
الأربعاء أكتوبر 03, 2012 11:02 am من طرف waj3anayat
» جدد طاقتك
الأحد سبتمبر 30, 2012 11:56 pm من طرف waj3anayat
» مدرسة ابوذر الغفاري
الخميس يونيو 14, 2012 11:47 am من طرف حسن
» اسئلة الارشاد للعام الماضي 2012
الإثنين مايو 14, 2012 10:26 am من طرف حسن
» جولة تفتيشية لمتابعة ظاهرة عمالة الأطفال
الإثنين أبريل 23, 2012 1:20 pm من طرف حسن
» احتفال مركزي بيوم الطفل الفلسطيني
الإثنين أبريل 16, 2012 9:31 am من طرف حسن
» العضو ام بيان
الأحد مارس 18, 2012 10:14 am من طرف Admin
» تهنئة بمناسبة يوم المرأة العالمي
الثلاثاء مارس 06, 2012 10:01 am من طرف Admin
» سوزان ، يمان محمود ، و. جميل
الثلاثاء مارس 06, 2012 9:52 am من طرف Admin